You may also like
Page 1 of 5
تمهيد:
من المعلوم أن الإمام تربطه مع جماعة المسجد علاقات متعددة تتعلق بالدين والتدين، والتعليم والتربية، والقضايا الاجتماعية، وغيرها.
ففي مجال المهام الدينية المسندة للإمام فتتم:
أ – بتكليف من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بعد استيفاء مسطرة التأهيل بالمجالس العلمية المحلية، بإشراف من المجلس العلمي الأعلى، وتنسيق تام مع المجالس العلمية الجهوية.
ب – بالاتفاق مع الجماعة المتعارف عليه بــ” الشرط “، وهو نظام تعاقدي شفوي مع جماعة المسجد وإمامها، حيث يجتمع أعيان الجماعة ويشترطون أمورا، دينية واجتماعية، كما يشترط الإمام من جانبه ما يتعلق به، فإذا تم الاتفاق يختم المجلس عادة بالفاتحة والدعاء.
ولنظام الشرط أصل في الشرع قرآنا وسنة، ولذلك يجب الوفاء بمقتضاه والالتزام التام ببنوده، لأن العقد شريعة المتعاقدَيْن، وقد أمر الله تعالى بالوفاء به، فقال جل شأنه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ﴾ [المائدة: 1]، وقال سبحانه: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اِ۬للَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمْۖ﴾ [النحل: 91].
والعقود: العهود. قال الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله: “ذَكَّرَهُمْ بِهَا لِأَنَّ عَلَيْهِمُ الْإِيفَاءَ بِمَا عَاقَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا تُفْتَتَحُ الظَّهَائِرُ السُّلْطَانِيَّةُ بِعِبَارَةِ: هَذَا ظهيرٌ كَرِيمٌ يُتَقَبَّلُ بِالطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ”([1]).
والْعقودُ جَمع عقْد- بفتحِ العينِ-، وهو ” الِالْتِزَامُ الْوَاقِع بيْن جانبيْن فِي فعلٍ ما([2])“. فالْعهودُ عقودٌ، وَالتَّحالف من العقود، والتّبايع والْمُؤاجرة ونحْوهمَا من الْعقودِ([3])“. وقد ذكر الإمام القرطبي تفسيره قول الزجاج:” الْمَعْنَى أَوْفُوا بِعَقْدِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَبِعَقْدِكُمْ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ. قال ﷺ: “المؤمنون عند شروطهم([4])“.
ما يتعلق بالقضايا الشرعية:
وهي كل ما يتعلق بشؤون دينهم وتدينهم، ومن ذلك:
– الإمامة للصلوات، سواء كانت خمسا أو غيرها، كصلاة التراويح والعيدين والاستسقاء. وذلك بأن يؤديها على أتم وجه، جاعلا نصب عينيه مشهور مذهب الإمام مالك رضي الله عنه في مسائل الفروع.
– الأذان: بالصيغة المغربية المعروفة، وذلك حين يكون الإمام جامعا بين مهمتي الإمامة والأذان.
فالإمامة والأذان من الأمور التي تقلدها الإمام، ويعتبر ضامنا لها فقهاً وأداءً، ويشهد لهذا ما أخرجه أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أَرشِد الأئمة، واغفر للمؤذنين“([5]) ومعنى قوله عليه السلام: “الإِمام ضامن” أي: أن صلاة جماعته الذين يؤمهم في عهدته، وصحة صلاتهم في ذمته.
– قراءة الحزب الراتب جماعة، وتنظيم حلقته بالطريقة المغربية، عملا بعموم القرآن، وبالأحاديث النبوية الشريفة، منها قوله تعالى: ﴿اِنَّ اَ۬لذِينَ يَتْلُونَ كِتَٰبَ اَ۬للَّهِ وَأَقَامُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ سِرّاٗ وَعَلَٰنِيَةٗ يَرْجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ﴾ [فاطر: 29]، وقول الرسول ﷺ: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله … ([6])“، وعملا بما درج عليه أشياخنا وعلماؤنا الأجلاء، وهذا يعد من الخصوصية المغربية الفذة التي حافظ عليها أئمتنا منذ قرون مضت إلى اليوم. وقد ورد عن الشيخ المقرئ أبي محمد محرز بن خلف المؤدب (ت 413 هـ) أنه “أول من سن قراءة القرآن بعد صلاة الصبح بإفريقية”، ثم ترسم زمن الدولة الموحدية([7]) .
– العناية بإرشاد الكبار إلى أمور تدينهم وَفق المشهور وما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، استنادا إلى ما هو مسطر في كتب السادة المالكية.
– التربية بالقدوة والحال، ونشر الفكر المتسم بالوسطية والاعتدال، من خلال منهجه التعليمي بعيدا عن كل المشوشات الفكرية التي يعج بها المجتمع، فينمي بذلك الوازع الداخلي لدى الأفراد والجماعة.
ثم إن مثل هذه الإسهامات من شأنها أن ترسخ في نظر الجماعة القدوة المرجوة في الإمام، لأن كثيرا منهم يحتاجون أشياء من الإمام لا يجدونها عندهم؛ فتجعلهم يتأسون به، ويصغون إليه فيما يأمر وينهى.
ومن توابع التعاقد ” الشرط”:
– تمكينه من المؤونة اليومية المسماة عرفا حسب عدد من المناطق “النوبة”.
– مكافأة مالية أو عينية، وهي تختلف بحسب المناطق، تشجيعا للإمام، وتعبيرا عن محبتهم وتقديرهم له. وفي هذا الصدد يمكن الاستئناس بما ذكره الإمام أبو الحسن القابسي عن الإمام ابن وهب، قال: “كنت جالساً عند مالك، فأقبل إليه معلم الكتّاب، فقال له: يا أبا عبد الله، إني رجل مؤدب الصبيان، وإنه بلغني شيء، فكرهت أن أشارط، وقد امتنع الناس عليّ، وليس يعطونني كما كانوا يعطون، وقد أضررت بعيالي، وليس لي حيلة إلا التعليم، فقال مالك: اذهب وشارط” فانصرف الرجل فقال له بعضُ جُلَسائِه: يا أبا عبدِ أتَأمُرُه أن يشترط على التعليم؟ فقال لهم مالك: نعمْ فَمَن يحفظ لنا صِبيانَا؟ ومَنْ يُؤدبُهم لنا؟ لولا المعلمون أي شيءٍ كُنّا نحن؟”
إن هذه المهمة النبيلة تعزز مكانة الإمام الذي يؤدي مهامه في مسجد جماعته ويترك في نفوسهم أثرا طيبا، فيزداد حبا وتوقيرا، وهذه مسألة مجربة لدى كثير منكم معاشر الفضلاء.
فينبغي للعلماء العناية بهذه المكارم، والدعوة إلى ترسيخها في الأوساط المجتمعية، لما يترتب عليها من آثار إيجابية بين جماعة المسجد وإمامهم، وبذلك تكون للعلماء يد بيضاء في توجيه الناس لهذا العرف الجاري به العمل، ليكون حافزا على زيادة نشاط السادة الأئمة في مهامهم تجاه الجماعة المشارطة، وخاصة ما يتبع تعليم الصغار، من تصحيح ألواحهم وضبطها، إن كانوا يتعلمون بالطريقة التقليدية، وإذا التزم الإمام المدرر بذلك وجب الوفاء به. جاء في المعيار: “وسئل عن المعلم هل يلزمه أن ينظر في ألواح الصبيان هل فيها خطأ في الأحرف أم لا؟ وكيف إن شرط ألا ينظر في ذلك؟
فأجاب: يجب عليه أن ينظر في ألواحهم وإصلاح ما فيها من خطإ، وشرط عدم النظر خطأ لا يجوز”([8]).
سوق مثل هذه النصوص استدلالا على عناية المغاربة بالقرآن الكريم، وجعل تعليم الصبيان بــ”المسيد” أو “الكتَّاب” من لوازم الشرط، حفاظا على النوع الذي يميز المغاربة في العالم بأنهم أكثر الناس حفظا لكتاب الله العزيز.
القضايا الاجتماعية
ويقصد بها المهام ذات الصبغة الاجتماعية التي تربط الإمام مع جماعته؛ باعتباره الساهر على أمنهم الروحي لما يحظى به بينهم من المكانة الاعتبارية والدينية، ومن أهم تلك المهام:
إصلاح ذات البين دون تحيز لفرد أو جهة، وتلك مهمة عظيمة تسعى للم شمل الأسرة، والسعي إلى تماسكها ووحدة صفها وإشاعة روح المودة والرحمة والطمأنينة بينها، فيكون مفتاحا للخير، مغلاقا للشر، وفي الحديث الشريف عن أَنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ“([9]) قال السندي: معنى “مفاتيح للخير“: ” أن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير- كالعلم والصلاح- على الناس، حتى كأنه ملكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم”([10]).
فالإمام أولى الناس بهذه الخصلة الحميدة، التي يجدها في كتاب الله تعالى الذي يتلوه صباح مساء. ذلك أن الناس يستعينون بإمامهم للقيام بهذه المهمة التي من شأنها أن تحدث أثرا مرجوا في محيطه، وهو إشاعة روح التماسك داخل الأسرة.
الحرص على الوحدة واجتناب كل ما يثير الخلاف أو يؤجج الفتن بين الناس. ذلك أن الإمام باعتباره مرجعا في التوعية الدينية بصفة خاصة فإنه يبذل جهده في محو آثار الخلاف، ونبذ أسباب الفرقة.
إسداء خدمات ذات صلة بالوضع الاجتماعي في الأقراح، وذلك بمواساة أهل الميّت، ومساعدتهم في تجهيز هالكم، والصلاة عليه، وما يتبع ذلك، وكذلك في الأفراح فإن جماعة المسجد تلتمس البركة من إمامها وتقدمه في ذبح العقيقة أو الوليمة وحضورها، ثم استثمار حضور الناس في تلك المناسبة لتقديم النصح والإرشاد بما يناسب المقام. وبذلك يتحقق حضور الإمام وتأثيره في محيطه، وهذا من مزايا “خطة تسديد التبليغ” التي تعد من منن الله تعالى وفضله على بلادنا.
ربط علاقات جيدة مع المحسنين من جماعة المسجد، والسعي في مصالحها وقضاء حوائجها، والإسهام في إدخال السرور عليها، تحقيقا لأهداف ومقاصد الحياة الطيبة التي وعد الله بها في قوله جل وعلا: ﴿مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪ىٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ﴾ [النحل: 97]، كان هذا الحديث مجملا عن الإمام وعلاقته بالجماعة، وسيأتي تفصيله لاحقا بحول الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين.
([1]) – التحرير والتنوير: 74/6.
([4]) – الجامع لأحكام القرآن 31/6.
([5]) – سنن أبي داود، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت.
([6]) – جزء حديث طويل أخرجه مسلم في صحيحه، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن.
([7]) – قراءة الإمام نافع عند المغاربة: 99/1، الدكتور عبد الهادي حميتو.
([8]) – المعيار: 250/1، للونشريسي. ط. دار الغرب سنة: 1990.
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.